عقدت مؤسسة طابة للأبحاث والاستشارات التنموية في القاهرة أول أمس صالونها الثقافي الحادي عشر، حول التشريح الثقافي لعقلية المتطرف، في محاولة لفهم تركيب وعمل هذه العقلية، وأنماط التطرف المختلفة مع استجلاء أشكال استجابته في كل نمط منها، وذلك بحضور مجموعة من الخبراء والمتخصصين والأكاديميين وشباب الباحثين، منهم، الحبيب علي الجفري، رئيس مجلس أمناء مؤسسة طابة، الدكتور أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية، الدكتور أيمن السيد عبد الوهاب، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور سعيد المصري، مستشار وزيرة الثقافة، والرئيس السابق للمجلس الأعلى للثقافة، الدكتور فؤاد السعيد، الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، الدكتور يوسف الورداني، مساعد وزير الشباب والرياضة، الشيخ/ مصطفى ثابت، مدير مبادرة سؤال، الدكتورة عزة رمضان، مدرس مساعد بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، الأستاذ حازم عمر، مدرس مساعد بجامعة قناة السويس، الأستاذة أسماء شعبان، باحثة بمرصد الأزهر، الأستاذ هيثم عمران، مدرس مساعد بجامعة قناة السويس،الدكتورة هبة صلاح، باحثة ومترجمة في دار الإفتاء المصرية، الأستاذ مصطفى متولي، باحث بوزارة الثقافة، الأستاذ محمد فوزي، باحث في العلوم السياسية.
وقد استهدف النقاش الوقوف على حدود مسؤولية الثقافة في تغذية عقلية المتطرف فكرًا وتكوينًا، والتشريح الدقيق في النظر لتلك العقلية ومنظومة القيم والأفكار والمدركات التي يعتقد بها هذا العقل حيث تنعكس على مواقفه وسلوكياته.
وفي مستهل الحديث تم إبراز أهمية المكون الثقافي في تشكيل عقلية المتطرف وإلى أي مدى يُسهم في إنتاج أنماط جديدة للتطرف، والتعرض لبعض الإشكالات المرتبطة بتشكل وتبلور هذا المكون كإشكالية التوافق على مفهوم التطرف والاتفاق على ملامح واضحة يمكن من خلالها توصيف السلوك الناتج عنها بأنه تطرف، بحيث يتم الوقوف على مقصود ودلالات بعض المفاهيم التي يتم استخدامها في السياق المصري والتي قد تُأوّل باعتبارها أحد ملامح التطرف كالغلو والحمية والتعصب. أيضًا تم التأكيد على أهمية تحديد أنماط العلاقة بين الدين والدولة والمسؤول عن إنتاج الثقافة وإلى أي مدى هي قادرة على عكس قدر من التنوع. وإبراز دور البيئة الحاضنة لهذه الثقافات في تحفيز الفكر المتطرف وهل تلك البيئة عامل محفز أم حاضنة لعوامل أخرى تقود إلى التطرف.
وفي ذات السياق، تم التعرض لمفهوم التطرف وبيان مراحل تطوره بدءًا من شيوع ثقافة الازدراء، وانتهاءً بالممارسات العدائية، كما تم إيضاح العوامل والمصادر التي تسهم في تشكيل التطرف والتعصب، وجاء في مقدمتها وسائل التنشئة الاجتماعية كالأسرة والمدرسة، وذلك من خلال التأثير على الاطفال لتبنى الصور النمطية المزعومة واستبطانها تحت وطأة الامتثال الاجتماعي، وكذلك وسائل الإعلام حيث تعتمد على استخدام كثيف للصور النمطية مما يساهم في سرعة انتشار الأفكار والانطباعات وتشكيل الرأى العام في اتجاهات تعصبية تنم عن الكراهية، بالإضافة إلى الأزمات الحياتية والمجتمعية وذلك في الأوقات التي يواجه فيها الناس وضعًا متناقضًا أو مريبا أو خسارة أو تغيرا محيراً، حيث يصبحون أكثر عرضة للتأثر بالصور النمطية التعصبية المليئة بالكراهية، وأخيرًا، تراث الاستعلاء الذي يميز بين الناس بحسب خصائصهم وقدراتهم الاقتصادية وانتماءاتهم الدينية. وقد تم تحديد خمس منابع لتشكل التطرف، منها التعصب العرقي، والتعصب الديني، والتعصب الرياضي، والتعصب القومي، بالإضافة إلى كراهية الأجانب.
أيضًا تم الإشارة إلى عدد من المؤشرات التي تشكل عقلية المتطرف، من أبرزها، النظرة المطلقة للعالم من خلال تبنى معتقدات تعتمد على ادعاء الحقيقة المطلقة واحتكارها، بالإضافة إلى النفور المعرفي من الاختلاف ورفض التنوع والتعددية والسعي الحثيث لتدمير التنوع الثقافي، والشعور بالاستعلاء على الآخرين والعزلة الاجتماعية وعدم الاندماج الاجتماعي والثقافي، إلى جانب إشاعة الخوف وبث الرعب في المجتمع، والاستئثار بمركزيه التفكير المتطرف ومحوريته عن طريق اشاعة المخاوف الاجتماعية لجذب اهتمام الرأى العام.
وحول أطر وأدوات المعالجة اللازمة لمواجهة التطرف، فقد تم التأكيد على عدد من الملامح منها، أهمية شمول الأبعاد النفسية والاجتماعية والدينية والثقافية والسياسية، من خلال تدخلات اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية مختلفة ومنسجمة معا، مع التأكيد على أهمية إيلاء مواجهة التطرف الديني أهمية خاصة، نظرًا لكونه يمثل محور رئيس في مكافحة التطرف الفكري بشكل عام وبمختلف صوره، كما تم الإشارة أيضًا إلى أهمية صياغة علاقة جديدة بين الدولة والمجتمع من خلال التجاوب مع تحديات وممكنات العصر الحديث والاسهام في تحقيق مستقبل أفضل للبشر.