بمسرح جامعة زايد في أبو ظبي افتتح معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي والبحث العلمي رئيس جامعة زايد مساء الأمس الندوة العلمية التي نظمتها الجامعة بمشاركة الهيئة العامة للشئون الإسلامية والأوقاف ومؤسسة طابة للدراسات الإسلامية، والتي حاضر فيها نيافة القمص إسحاق الأنبا بيشوي راعي كاتدرائية الأنبا أنطونيوس للأقباط الأرثوذكس بأبو ظبي والحبيب علي زين العابدين الجفري مؤسس و مدير عام مؤسسة طابة للدراسات الإسلامية، وبحضور سعادة الدكتور سليمان الجاسم مدير جامعة زايد وعدد كبير من رجال السلك الدبلوماسي والبرلماني وأساتذة الجامعة وأبناء الإمارات.
افتتح الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان الندوة بكلمة عبّر فيها معاليه عن أهمية الندوة بعد الأحداث المؤسفة في الإسكندرية عشية عيد الميلاد، و بالتأكيد على علاقات المحبة والمودة بين المسلمين والمسيحيين، وأن المسيحيين العرب إخوة كرام يقفون صفاً واحداً لصالح الأمة، لا فرق بين مسلم ومسيحي وأن بينهم إخاء صادقاً يؤكد دوره باستمرار على أن الدين لله والوطن للجميع، تعبيراً عن اعتزازنا بما تحقق في ظل الإسلام والمسيحية من تعايش خلال 14 قرناً من الزمان ساد فيها الاحترام والتقدير لأهل الكتب السماوية.
ذكر معالي الشيخ نهيان أن هذا اللقاء يذكرنا بأننا أبناء المنطقة العربية على السواء لنا تراث مشترك يقوم على وحدة اللغة والوطن ويؤكد على حقوق الإنسان ورعاية مصالحه ، والذي استمر حياً قادراً على مواجهة كل التحديات ونبذ كل استغلال بغيض للأحداث العارضة، وأن الحضارتين الإسلامية والمسيحية كانتا في أوج ازدهارها حينما سادت مبادئ التعايش والتسامح مع الآخرين، ولا زالت قادرة على مواصلة مسيرتها في عزة وشموخ.
وأكد معالي الوزير أن هذا اللقاء تعبير قوي عن التزامنا التام بالعمل معاً من أجل صياغة مستقبلنا المشرق في وطننا الواحد ، رغم اختلاف الدين والمعتقدات في سبيل إرساء حضارة عربية يصنعها المسلمون والمسيحيون معاً، انطلاقاً من الإرث الإبراهيمي الواحد، وأن في التعدد نوعاً من الإثراء والحيوية في حياة البشر، طالما حرصوا على التعايش وسعوا إلى تحقيق كرامة الإنسان، موجهاً الأنظار إلى عدد من الأمور الحيوية الواجب التنبه إليها، والتي تقود إلى زرع الشك وزعزعة الاستقرار مع مسئولية الإعلام والمؤسسات الدينية في مواجهة التطرف، والوعي بالظروف التي تمر بها المنطقة، مشيداً بالمبادئ التي أرساها سمو الشيخ زايد آل نهيان رحمه الله والتجربة الراشدة لدولة الإمارات العربية المتحدة في التعايش في عهد سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان حفظه الله تعالى.
هذا وقد أكد نيافة القمص إسحاق الأنبا بيشوي في بداية كلمته على أن المجتمع الذي يسوده السلام هو مجتمع مثالي محبوب، وقد نزلت الأديان السماوية لا لأجل شقاء الإنسان بل نتعاون لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ، ولكي نأخذ بيد الناس إلى السعادة في حياتهم وبعد مماتهم.
وأكد على أن محطات التآخي متعددة ونقاط التلاقي كثيرة، فحياة المحبة جمعت بيننا طوال 15 قرناً من الزمان، ونحن نضرب في الشرق الأوسط مثالاً للناس في التعايش السلمي، وأن المسيحيين وقفوا ضد الغزاة من الغرب، ورفضوا عروض الحماية من الخارج في التاريخ القديم والحديث، مستعرضاً عدداً من الشواهد والنماذج التاريخية لمواقف الأقباط الوطنية، ابتداء من استقرار أسس التآخي بين مسلمي مصر وأقباطها منذ الفتح الإسلامي لمصر وقدوم عمرو بن العاص.
وذكر نيافته أننا اليوم أحوج الناس إلى التآخي والتعاون والتواد، ونحتاج إلى الاحترام المتبادل، وأن أحد قيم الإسلام المهمة هي عدم الإكراه في الدين، مستشهداً بعدد من الآيات القرآنية الدالة على قبول التعددية وعدم الإكراه، مشيراًُ إلى أن المسيحية جعلت المحبة هي الوصية الأولى، متمنياً في نهاية كلمته للإمارات الحبيبة قيادة وشعباً دوام وحدتها واستقرارها وهدوئها ورخائها.
ابتدأ الحبيب علي زين العابدين كلمته بالإشارة إلى أن عنوان هذه الندوة كان من اختيار نيافة القمص بعد التواصل واقتراح عقد لقاء مشترك رداً على الأحداث الأليمة عشية عيد الميلاد، وأن أهمية الندوة العلمية تأتي من طبيعة المرحلة الحرجة التي تمر بها المنطقة والعالم أجمع، وأن هناك تغييرات كبيرة ومتسارعة على كل الأصعدة تطرح تحديات غير مسبوقة، وتحتاج إلى تجديد الخطاب الديني الأصيل من الطرفين في مواجهة الخطاب المتطرف الذي وصفه بالمتنطع و الذي يحاول جعل الاختلاف الطبيعي والمقصود في العقائد مرتكزاً للصراعات في العالم.
أكد الحبيب علي الجفري في كلمته على قوة أواصر الصلة و العلاقة بين المسلمين والمسيحيين من خلال الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة والتي تنهى عن الإكراه في الدين أو الإضرار بأهل الذمة، وأن من قتل قتيلاً منهم لم يجد ريح الجنة، مثلما أشار فضيلته إلى وصية الرسول عليه الصلاة والسلام بأهل مصر خاصة لأن لهم نسباً وصهراً، موضحاً بالشواهد التاريخية مدى قوة الصلة بين الأقباط والمسلمين منذ فتح مصر وإلى اليوم، والتي تمثلت في أصدق صورها في اجتماع عنصري الأمة عقب أحداث كنيسة القديسين بالإسكندرية، ومشاركة كل مصر – قيادة وشعباً – الأقباط في احتفالاتهم بعيد الميلاد.
هذا وقد استشهد الحبيب الجفري بموقف الشيخ إبراهيم الباجوري شيخ الجامع الأزهر ورفضه الانصياع لرغبة عباس حلمي حاكم مصر وقتئذ في طرد الأقباط إلى السودان قائلاُ: إن النصارى من أهل البلاد وأصحابها، ومن ناحية الدين فهم في ذمة الإسلام إلى اليوم الآخر، ولا يجوز إلحاق أدنى الأذى بهم”، وأن الذي نقل هذه القصة ميخائيل شاروبيم في كتابه عن تاريخ مصر، الأمر الذي لاقى استحسان الحضور .
أكد فضيلته بشيء من التفصيل على أن مواقف الأزهر المتوازنة تكون لها تلك الثمرات في فهم طبيعة المرحلة وحقيقة العلاقة، والتي تمثلت في الأحداث الأخيرة بمواقف السادة أصحاب الفضيلة شيخ الجامع الأزهر ومفتي الديار المصرية ووزير الأوقاف، وأن على كل من الطرف المسلم والطرف المسيحي مسؤولية مشتركة وملحة في إيقاف التطرف المتنطع من الجانبين، ذلك التنطع الذي لا يدرك لا حقيقة العلاقة ولا طبيعة المرحلة، مشيراً في نهاية كلمته المختصرة لضيق الوقت إلى ضرورة تفعيل مبادرة كلمة سواء التي آتت أكلها في العلاقة مع مسيحيي الغرب وعقدت لها كثير من المحافل في الجامعات الأوروبية والأمريكية، وقد آن أوان تفعيلها من باب أولى وعاجل في العلاقة بين المسلمين ومسيحي المشرق.
هذا وقد شارك في الحوار و النقاش عدد كبير من السلك الدبلوماسي، وقدمت الدكتورة زينب رضوان وكيل مجلس الشعب المصري كلمة الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب المصري مرفقة بتقرير عن الأحداث المؤسفة، كما شاركت في النقاش الدكتورة نور حياتي السقاف نائبة رئيس البرلمان الإندونيسي والتي أعربت عن سعادتها بالحضور في هذه الندوة.