القدرة الالهية وعالم الأسباب
للباحثة: عزة رمضان العابدة
لقد اعتاد الإنسان رؤية البناء يُهدم بعد أن كان قائمًا، ثم يُشيد بعد أن لم يكن، ثم يُعاد هدمه وتشييده، فيدرك جواز حدوث ذلك بأقل التفات وأدنى انتباه، أما حركة الأجرام العلوية فلم يعهدها الإنسان إلا ثابتة على وضعٍ واحد، ومن ثمّ فقد يغفل عن إدراك الجواز فيها. مما يتطلب منه دقة نظر وشدة انتباه. نعم قد يكون الأمر مشكلًا؛ لو قلنا إن الأسباب المبثوثة في الكون، أسبابٌ حقيقية، أي ثبت لها التأثير بذاتها، دون الاحتياج إلى من يثبت فيها هذا التأثير، “إلا أننا لا نقول ذلك، إذ من المستحيل بداهةً أن تكون هذه الأسباب مؤثرةً بذاتها مع ما نعلمه فيها من صفة الحدوث بعد العدم، فكيف يكون التأثير فيها نابعًا من جوهرها الذاتي؟ وهذا الجوهر نفسه قد كان معدومًا قبل حين، ثم اكتسب الوجود بتأثير سببٍ آخر، ويُقال الكلام نفسه في حق هذا السبب الآخر، وفي حق الأسباب الأخرى”.
إذًا فما معنى كون هذه الأمور أسبابا؟ “إن معنى ذلك محصورٌ في أن اللـه عز وجل ربط بينها وبين أمور أخرى بمحض إرادته وقدرته فقط، فظهر استمرار هذا الارتباط أمامنا بمظهر السببية والتأثير”. ومن المعلوم أن طول الاقتران بين أمرين في الوجود والعدم قد يُخيل إلى الذهن ارتباطًا سببيًا بينهما، وإن لم تكن ثمة أي رابطة حتمية في واقع الأمر.
فنحن إذًا لا ننكر صفات الموجودات التي تتمايز بها هوياتها، لكن ما نؤكد على إنكاره هو أن تستقل هذه الصفات بالفعل والتأثير؛ إذ إن الأصل عندنا: استناد جميع الممكنات إلى اللـه القادر المختار ابتداءً وبلا واسطة.