كيف تختطف الجماعات المتطرّفة الشباب؟

انعقدت ندوة رمضانية في خيمة طابة الفكرية بمقر مؤسسة طابة للأبحاث والاستشارات في أبوظبي، حيث ألقى رئيس مجلس إدارة المؤسسة الحبيب علي زين العابدين الجفري محاضرة بعنوان “كيف تختطف الجماعات المتطرّفة الشباب”؟

بيّن الحبيب علي في حديثه المداخل النفسية والفكرية والشرعية التي يتسلل أصحاب الفكر المتطرف منها إلى الشباب لاستقطابهم، مستغلّين مواطن ضعف ألمـّت بالأمة وشبابها، لا سيما الأمّية الدينية، وظروفًا مواتية لبثّ دعاويهم البرّاقة. وما يجب على المجتمع بشتى مستوياته وفئاته لمواجهة هذا الفكر وهذه النفسية. وقد تناول هذا الموضوع الشائك عبر محاور خمسة:

1. الأمة: إذ تعاني من مواطن ضعف منهكة محبطة يندرج تحتها خمسة عناصر أساسية هي:
‌أ. الاحتلال والشعور بافتقاد الكرامة
‌ب. وجود أنظمة ظالمة فاسدة مضطهدة
‌ج. التخلّف العلمي والاجتماعي والثقافي واستهلاك الفكر بدلاً من المشاركة في إنتاجه
‌د. الحالة الاقتصادية المتردية والفقر
‌ه. الفرقة والشقاق.

فهذه العناصر انعكست على نفسية شباب الأمّة فصارت في كثير من الأحيان نفسية متبرّمة ذات قابلية للانفلات من الضوابط ومشحونة بالبغضاء للمخالف وعدم قبول التنوّع، وذلك من جرّاء شعور الشباب بالضعف والعجز عن استرداد المقدّسات ونقص الكرامة والتبعية والإحساس بالهزيمة أمام الهيمنة الأمريكية والغربية مع ما أثقل كاهلهم من ألوان الفقر والاستبداد والقمع. وهذه العوامل عمل المتطرّفون على استغلالها أيما استغلال إذ سوّغوا للشباب الخروج على الحكام لتغيير الواقع المتأزّم واستعادة الكرامة والحقوق.

2. الدولة والمجتمع: وفيهما مظاهر سلبية تتضمّن عناصر خمسة هي:
‌أ. افتقاد الرؤية الناضجة لمستقبل الهوية الدينية عند الشباب
‌ب. النظرة إلى الخطاب الديني بأنّه مشكلة وليس حلًّا
‌ج. إقحام الخطاب الشرعي في لعبة التوازنات السياسية
‌د. التفكك الأسري وإهمال الأبناء مع العجز عن التعامل مع اقتحام العولمة لخصوصيات المجتمعات
‌ه. ضعف التعليم.

فإنّ تديّن الشباب في الغالب لم يُبنَ على أساس واعٍ متّزن من الفهم السليم للدين الذي كان مرتبطًا بالأخلاق والتعامل الراقي والرحمة؛ فصار منبتًّا عن منابع رفده الصحيح وتحوّل إلى مشاعر مختلطة من ردّات الفعل والشدّة والرعونة إذ غدت هوية التديّن غير واضحة المعالم، لا سيما في ظلّ إهمال الأبناء في توريث الأخلاق الراقية وحسن النظر والفضائل والقيم المستمدّة من نبيّ الأمّة ﷺ. واستُغلت هذه الحالة المتخبّطة في الاستقطاب السياسي وتأجيج المشاعر.
واقتحمت العولمة خصوصيات المجتمع المسلم وأثّرت على الأطفال والشباب بما أتاحت لهم من مواد ووسائل ذات تأثير سلبي على سلامة الفطرة والنظرة. ولم يتحصن الشباب بتعليم بنّاء متين منسجم مع الأصالة والمعاصرة ولم يتمكّن من أدوات تعليم قوية ناهضة.

كلّ هذا جعل الشباب عرضة للانجذاب إلى دعاوى المتطرّفين من حيث فراغ جعبتهم من الموروث الديني السليم ومن ثمّ افتقادهم لحسن الاستبصار.

3. الشباب: فهو يتقلّب في أحوال سلبية من عناصر خمسة هي:
‌أ. الأمّيّة الدينية
‌ب. أزمة الهوية
‌ج. ثقافة العصر في استعجال النتائج
‌د. الارتباك حيال الأصوات الصاخبة لخطاب التطرّف الديني واللاديني
‌ه. العجز عن التعامل مع الانفتاح وانتشار “ثقافة الحرية”.

يعاني الشباب من أمّيّة دينية تجعلهم عرضةً لفهم سقيم للدين وأهله، فلم يعد يتلقى الأطفال كما في الماضي نصيبًا وافيًا من تعلّم القرآن والأخلاق والهدي النبوي الشريف. وحتى في المدارس لم تعد المناهج الدينية تفي بمدّ الطلاب بالمعلومات الأساسية الدينية الشاملة. فقد عمدت بعض الدول بعد أحداث 11/9 إلى حذف مقرّرات مهمّة من مادّة الدين ومنها الجهاد، فصار الشباب غير مدركين لأحكام الجهاد، مما حدا بكثير منهم إلى سهولة الانسياق دون بصيرة إلى دعوات الجهاد التي يبثّها الغالون المتطرّفون، وصاروا متقبّلين للمسوّغات المضللة التي يروّجها أولئك. هذا إلى جانب ما يعيشه كثير من الشباب من أزمة هوّية سببها عدم التوفيق بين معطيات الحداثة والهوّية الدينية أسلمتهم إلى صراع ربما يحملهم على قابلية الاختطاف من قبل التنظيمات المتطرّفة؛ لا سيما وثقافة العصر المتسمة باستعجال النتائج والتغيير تميل بكثير منهم إلى التمرّد وثقافة البتر على حساب المعالجة والإصلاح.

والأصوات المرتفعة لخطاب التطرّف الديني واللاديني يحيّرهم ويزجّ منهم في أتون أحدهما، إذ التطرّف الديني يكرّ على مخالفيه بطريقة الخوارج الإقصائية، والتطرّف اللاديني يقفز من نقد الممارسة الدينية والفكر إلى النيل من المقدّسات والحطّ من قدرها.

وعامل آخر هو العجز عن التعامل مع ثقافة الانفتاح الوافدة مع ما فيها من أحمال دخيلة وما جاء معها من مفهوم غريب للحرية. فهذا خلق صدامًا قويًا عند فريق من الشباب وتقبلاً بلا مراجعة عند فريق آخر، وكلُّ ذلك لغياب النظرة الكونية السليمة الصحيحة، وهي النظرة التي تعتبر حقيقة الحرية بدايةً التحرّر من أسر الشهوات ورغبات الأنا. فهذا العجز أفضى إلى تعصّب مفرط أو غفلة مفرطة فتحت المجال للتمرّد على القيم باسم الحرية.

4. الخطاب الشرعي: ففي كثير من الأحيان يعاني الخطاب الشرعي من ضعف وتأخّر في خمسة عناصر هي:
‌أ. التجديد في المحتوى واللغة
‌ب. معرفة أسئلة العصر التي تشغل بال الشباب
‌ج. مجاراة مؤسسات الخطاب الشرعي لإمكانيات المتطرّفين المالية والمؤسسية والإعلامية
‌د. قدرات العمل الشرعي المجرّد بالمقارنة مع قدرات العمل السرّي المنظّم
‌ه. منتجات مؤسسات التعليم الشرعي.
فالشباب الأمّي في دينه يشعر بحواجز بينه وبين مفردات الخطاب الشرعي، بينما خطاب المتطرّفين سطحي بسيط مادته آية أو حديث مع تأويل فاسد. وكثير من الشباب لديه أسئلة متعلّقة بهذا العصر لم يوفّق في كثير من الأحيان الخطاب الشرعي في وضع إجابات عنها، هذا بالإضافة لضعف إمكانياته المالية والتقنية وقدراته مقابل ما لدى العمل السرّي المنظم من قدرات وإمكانيات.

5. التنظيمات المتطرّفة: ولها عناصر خمسة تتحرّك بها:
‌أ. استغلال الأوضاع التي تعاني منها المحاور الأربعة التي سبق ذكرها
‌ب. منطلقاتها السبعة: الحاكمية والجاهلية والولاء والبراء والفرقة الناجية والاستعلاء وحتمية الصدام والخلافة والتمكين
‌ج. غرس العقلية التصادمية الأحادية وتوظيف الفتنة الطائفية
‌د. افتعال الصراعات والزج بالشباب فيها ثم ابتزازهم بالمظلومية
‌ه. حيازة إمكانيات إعلامية واحترافية في وسائل التواصل الاجتماعي.
فالتنظيمات المتطرّفة تستغل عند الشباب الأمية الدينية والنفسية المحبطة والحالة الاقتصادية والفقر وجور بعض الأنظمة وصراع الهوية والظروف المؤدية إلى ضعف تأثير الخطاب الشرعي المعتبر. وتنطلق في حركتها من تكفير الحاكم على أنّه لم يحكم بما أمر الله، تحريفًا منها للمعنى المعتمد عند أهل السنّة للآية التي يستشهدون بها في ذلك. ويعدّون المجتمع الذي رضي بهذا الحاكم مجتمعًا جاهليًّا يلزم البراء منه، والولاء لأمثالهم، بتكفير مخالفيهم واعتبار أنفسهم الفرقة الناجية دون غيرهم، مما تسبب في استحلال سفك الدماء. وقد حرّفوا معنى قول الله تعالى: “وأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” بمفهومٍ للاستعلاء يزدرون به غيرهم. ويرون، والحالة هذه، حتمية الصدام إذ لا يستقيم دين أحدهم إلا إذا اصطدم مع المجتمع برؤية تكفيرية إقصائية له؛ بعد ذلك يتحقق لهم التمكين والخلافة.

وفي سبيل الوصول لأغراضهم يقومون بالتعبئة التصادمية وافتعال الصراعات وتوظيف الفتنة الطائفية وصناعة المظلومية بالكذب والتهويل، وذلك بما يمتلكون من إمكانيات إعلامية واحترافية في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير على الشباب.

وفي ختام الندوة أكّد الحبيب علي ضرورة علاج الأمّيّة الدينية ومحوها عند الشباب عبر المدرسة والمسجد والإعلام والأسرة والمجتمع، إذ الحاجة الماسّة تدعو إلى زيادة جرعة الوعي الديني وتمكين الفهم السليم للدين على يد أربابه من الوصول إلى الشباب؛ وأنّه من الأهمية بمكان القيام بحوار مجتمعي ونقاشات لتبيين الخلل الشرعي والفكري والمنهجي عند المتطرّفين، وإضاءة عقول الشباب بمعرفة السبل الصحيحة لأخذ الدين من أهله المعتبرين بالمناهج الموروثة كابرًا عن كابر.

وفي نهاية اللقاء دعا الحبيب علي للشيخ زايد بن سلطان بالرحمة والمغفرة، إذ كانت وفاته في مثل هذه الأيام في رمضان، وذكر أياديه البيضاء وآثاره الحميدة لا سيما في خدمة القضية الفلسطينية، فهو القائل: “ليس البترول العربي بأغلى من الدم العربي”، إذ أقام مشاريع إسكانية وخيرية عديدة في القدس وعموم فلسطين. وذكر أنّ ما يعرفه أهل الإمارات ومن عاشوا فيها من الذين يدركون لماذا يُذكر دائمًا، رحمه الله، بالثناء الحسن، فقد أعطى الإنسان، المسلم وغيره، وبنى وشيّد وامتدت أريحيته في شتى البقاع، طيّب الله ثراه ورفع درجاته في الجنّة.

 

التسامح والتعايش في القرن الحادي والعشرين من أبوظبي

في أمسية حافلة بحضور متنوع الفئات وافر العدد، وبرعاية كريمة من معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، نظمتها مؤسسة طابة للأبحاث والاستشارات بالتعاون مع سفارة كندا في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث استضافت د. جون مورو وهو باحث كندي يعمل محاضرًا في جامعة آيفي تك بأمريكا وهو رئيس منظمة المعاهدات، باعتباره المتحدث الرئيس في الأمسية التي عقدت مساء الثلاثاء العاشر من شهر مارس في مسرح فندق انتركونتيننتال أبوظبي. وكان من أبرز الحضور فضيلة الشيخ د. أحمد الكبيسي و فضيلة الشيخ د. أحمد عبد العزيز الحداد و سعادة عارف لالاني سفير كندا في أبوظبي ورئيس مجلس إدارة مؤسسة طابة الحبيب علي زين العابدين الجفري وعدد من الدبلوماسيين والأعيان في المجتمع.

افتتحت الأمسية بجولة في معرض ضمّ عددًا من صور الوثائق والمخطوطات التي وجدها د. جون مورو في بحثه. وقد تحدث ضيف الأمسية د. جون مورو في كلمته عن معاهدات الرسول عليه الصلاة والسلام مع أهل الكتاب منذ صدر الإسلام وذكر أنّها ظلت مرعية في عهد الخلافة الراشدة، ثمّ الأموية فالعباسية، وكذلك من جاء بعدهم من الدول انتهاء بالخلافة العثمانية، مشيرا إلى أن تلك المعاهدات مثلما وجد عدد منها في المصادر الإسلامية فإنه قد وجد أعداد أخرى منها في مصادر مسيحية بالعربية ومترجمة إلى لغات كاللاتينية والإغريقية والآشورية والفارسية. وأشار د. جون مورو أيضًا في كلمته إلى أن معاهدات النبي صلى الله عليه وسلم مع نصارى نجران وفارس والنصارى الآشوريين والأرثوذكس وأقباط مصر ونصارى الحبشة تؤكد جميعها قيم التسامح والمساواة والتعايش السلمي بين الجميع في خطوة متقدمة لحقبة زمنية لا تقبل التعدد.

ثم عقب رئيس مجلس إدارة مؤسسة طابة الحبيب علي الجفري على كلمة مورو ومما جاء فيها: إننا اليوم أمام منعطف تاريخي غير مسبوق في تاريخ المسلمين حيث إن هناك من ينسب ما يحدث من الجرائم والتصرفات الشاذة إلى كتاب الله وسنه النبي صلي الله عليه وسلم، وهذا أمر محرم ولا يجوز، و لا يوجد ما يسمى بالإسلام المعتدل لأنه ليس هناك إسلام متطرف، بل هناك مسلمون معتدلون ومسلمون متطرفون، ثم تحدث فضيلة الشيخ أحمد الكبيسي وسعادة عارف لالاني سفير كندا في الإمارات العربية المتحدة. هذا وقد تفاعل مع الحدث مغردون عبر شبكات التواصل الاجتماعي في موقع تويتر من خلال وسم الفعالية “هاشتاغ” #المعاهدات_النبوية للمتحدثين باللغة العربية وهاشتاغ #CovenantsUAE باللغة الإنجليزية.

كما أقامت مؤسسة طابة عددًا من اللقاءات النقاشية المتخصصة التي هدفت إلى فسح المجال للحاضرين من ذوي الاختصاص لمناقشة المادة المطروحة على نمط الطاولات المستديرة مع ضيفها د. جون مورو حول ذات الموضوع، فعقدت طاولة مستديرة للسادة العلماء وطلبة العلم الشريف، وأخرى للدبلوماسيين من الدول العربية، وطاولة مستديرة للدبلوماسيين من غير الناطقين بالعربية، وأيضا لقاء للأكاديميين والمثقفين العرب، وشملت الأنشطة لقاءين تلفازيين: مساء يوم الأربعاء على قناة سكاي نيوز عربية ضم د. جون مورو والحبيب علي الجفري، ولقاء على قناة العربية استضاف د. جون مورو. وقد زار معالي الشيخ نهيان بن مبارك في مجلسه الحبيب علي الجفري ود. جون مورو الذي أهداه نسخة من إحدى صور المعاهدات النبوية.

ومؤسسة طابة حرصت على إقامة هذه الأنشطة والفعاليات المتنوعة انطلاقًا من رسالتها “لإعادة تأهيل الخطاب الإسلامي المعاصر للاستيعاب الإنساني”، ولإيصال رسالة عالمية أن التسامح والتعايش واحترام الأديان والإنسان والمجتمعات غير المسلمة في المنطقة هي دعوة أصيلة بدأت منذ عند النبي ﷺ، وأن ما نراه اليوم من قتل وذبح للمسلمين وغير المسلمين باسم الاسلام إنما هو تحريف لما قاله النبي ﷺ وأمر به وانحراف عنه.

روابط متعلقة

فيديو الإعلان عن المحاضرة

– خبر صحفي: خارطة طريق من أبوظبي لـ«التسامح والتعايش» – جريدة الاتحاد

– خبر صحفي: الجفري يـــوصي بتكــوين جبهة موحدة لتفكيـك الفكـــــر الظلامي– جريدة الرؤية

– خبر صحفي: العودة إلى جذور الإسلام ضرورة لتقدم الأمة – البيان

– خبر صحفي: Lecture in Abu Dhabi stresses awareness about true Islam– The National

– خبر صحفي: Islam is not against other religions, says scholar – Khaleej Times

فيديو مقابلة سكاي نيوز العربية

– نص مقابلة قناة سكاي نيوز العربية

فيديو لقاء قناة العربية

الشيخ جهاد براون يشارك في برنامج -الدين و الطب- بجامعة شيكاغو

 شارك الباحث الشيخ جهاد هاشم براون _ زميل أبحاث أول في مؤسسة طابة_ في مبادرة “مجموعة عمل الإسلام والطب” في مركز “مكلين” لأخلاقيات الطب السريري، وذلك يومي الثالث والرابع من أغسطس 2014 من خلال الورقة التي قدمها في إحدى ورش العمل التي رافقت المؤتمر والتي تطرقت إلى “صياغة المفاهيم الدينية والتعريفات القانونية_السلوكية لمصطلح “المصلحة” (الفائدة العامة والمخاطرة الطبية)، وكذلك “العلاقة بين المصلحة والمقاصد والضرورة”.

هذا وتعقد مجموعة العمل جلساتها برعاية مؤسسة جون تمبلتون، وقد انعقدت هذه الدورة بهدف “استعراض التعريفات النظرية والآراء العلمية المعتبرة حول مكونات “الصحة” وما تتألف منه مع إيلاء عناية خاصة للغاية الكبرى لعلم الطب والصحة العامة وعلاقتهما بالرخاء والازدهار الإنساني” وكذلك “التعريف   بالمفاهيم الرئيسة المتعلقة بعلم “التنبؤات الطبية” وتقدير المخاطر، وعلم الأوبئة العامة، والتركيز بشكل خاص على مبادئ وأدوات تقدير المخاطر علي صعيد للفرد و المجتمع”

 

موسى فربر يناقش أحدث أبحاثه عن الفتوى في كامبردج مسلم كوليدج

في كلية كامبردج مسلم كوليدج البريطانية والتي تنتقي أفضل الطلاب من خريجي المدارس الشرعية العليا ناقش الشيخ موسى فيربر الباحث في مؤسسة طابة بحثَيه الأخيرين اللذين أصدرتهما مؤسسة طابة بعنوان “تصنيف الثقة بصحة الفتاوى المعاصرة وقنوات نشرها” الصادر في مارس 2014، و”عناصر الفتوى ومساهمتها في الثقة بصحتها” الصادر في أبريل 2014 بحضور طلاب الكلية الذين أبدوا اهتماماً كبيراً بهذا النوع من الأبحاث الذي يحتاجه الحقل الأكاديمي الإسلامي.

وتمت خلال الجلسة مناقشة نتائج كل من الدراستين اللتين اعتمدتا على استطلاع للرأي قام الباحث بإجرائه لقياس درجة الأهمية التي يعطيها المستفتون لكل عنصر من عناصر الفتوى لكي يقرروا الأخذ بها من عدمه. وقد أظهر التصنيف أن الثقة تكون أكبر حين يكون ناقل الفتوى هو المفتي نفسه من دون وسيط. وأن الثقة تكون في أعلى مستوياتها حين تأتي الفتوى من المفتي إلى المستفتي مباشرة، وتكون في المستوى الأدنى حين تنقلها الصحف. وتشير النتائج إلى أن ثقة المستفتين ضعيفة بالصحف والمواقع الإلكترونية التي تنقل الفتاوى، وذلك ربما بسبب الفتاوى المغلوطة التي تعتاد الصحف نشرها بهدف الجذب الإعلامي لذلك فإن الملخص التحليلي يوصي بأن تعالج الصحف هذه المسألة من خلال تغيير مجال تركيزها في الفتاوى.

يمكن تحميل نسخة كاملة من البحثين على الروابط التالية:

عناصر الفتوى ومساهمتها في الثقة بصحتها

تصنيف الثقة بصحة الفتاوى المعاصرة وقنوات نشرها

مشاركة مؤسسة طابة في معرض توظيف أبوظبي 2014

شاركت مؤسسة طابة في الفترة الواقعة ما بين 3-5 فبراير في معرض توظيف 2014، وتعد هذه المشاركة الثانية للمؤسسة في هذا المعرض الذي يقام في مركز أبوظبي الوطني للمعارض.

معرض توظيف أبوظبي

وسعت مؤسسة طابة خلال وجودها في هذا الحدث الهام الذي يشهد مشاركة العديد من المؤسسات ويجتذب شريحة واسعة من الباحثين عن فرص العمل، إلى استقطاب أفضل الكفاءات والمواهب المواطنة لملء شواغر المؤسسة، ولتساهم بالتالي في تحقيق أهداف إدارة الموارد البشرية في زيادة نسبة التوطين بالمؤسسة.
ومع كثافة الزيارات لمنصة مؤسسة طابة في المعرض تجدر الإشارة إلى اهتمام مجموعة من الزائرين والمشاركين بجانب البحث العلمي وإلى التعرف بتفصيل أكثر على طبيعة أبحاث المؤسسة. هذا وقد زارت المؤسسة عدداً من منصات الجهات المشاركة مثل المعهد الوطني للبحوث والوثائق، ومجلس أبوظبي للتعليم، ومعهد مصدر، ومؤسسة الإمارات للطاقة النووية، والإمارات للأبحاث والتكنولوجيا المتقدمة، لتبادل المعرفة مع الجهات ذات الاختصاص البحثي واستكشاف فرص التعاون المستقبلي في مجال البحث العلمي، كما زارت المؤسسة عددا من الجهات الحكومية والخاصة للتعريف بنشاطات المؤسسة وتقديم بعض أبحاثها.

حظر القتال على الأطفال في الإسلام – مقال للشيخ موسى فيربر

ثمة أفعال تخالف الشريعة الإسلامية مخالفة مفرطة في جَورها بحيث لا يعوزها إنكارٌ حالَ وقوعها؛ بيد أنّه لو تكرَّر فعل قبيح من تلك الأفعال فيغدو من اللازم إنكاره وإدانته لئلا يعطي السكوت عنه دلالة على استصواب ضمني له بما يسمح لآخرين أن يحذوا حذوه. ومن بين هذه الانتهاكات الواجب إنكارها مشاركة الأطفال في القتال المباشر في الصراعات الدائرة.
فقد ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية، في (6/1/2014)، أنّ فتاةً أفغانية كانت ترتدي حزامًا ناسفًا وقعت في قبضة الشرطة، اليوم الذي قبله، في جنوب أفغانستان بعد فشل محاولتها في تنفيذ اعتداء على شرطة الحدود. وذكر التقرير أنّ الفتاة قد لا يتجاوز عمرها ثمان سنين، وأنّه يعتقد أنّها أخت قائد بارز في حركة طالبان. في حين نشر موقع هوفِنغتون بوست الإخباري في وقت لاحق من ذلك اليوم أنّ الفتاة كانت بين الثامنة والعاشرة من العمر وأنّها “كانت مدفوعة من قبل أخيها لتولّي المهمّة”. وذكرت تقارير في اليوم التالي الثلاثاء أنّها كانت ”مُكرَهة “ أو ”ضُغِط عليها“ للإقدام على هذه المهمّة الانتحارية.

حالما علمت بالقصة يوم الاثنين كان أول ردة فعل لي أنِ انتابني فزع من اعتداء آخر جديد تنتهِك أهدافُه ووسائله الشريعة الإسلامية؛ وقد أزعجني ما يُنشَر من تكرُّر هذه الانتهاكات وأقلقني ما قد يجده أيُّ مسلم مسوِّغًا لاعتبار مثل هذا الاعتداء جائزًا شرعًا.

غير أنَّ أكثر ما وجدته مريعًا في قصة الإثنين أنْ يسمح شخصٌ لطفلٍ (فضلاً عن إكراهِه) أن يشارك باعتداء من أي نوع كان، إذ إنّ فعل ذلك يعدّ انتهاكًا لا يدانيه شكٌّ ولا ريب للشريعة الإسلامية.

اتِّخاذ الأطفال مقاتلين

اتُخِذ مقاتلون من الأطفال خلال أغلب مراحل التاريخ البشري، ومنذ عام 1970، كانت هناك عدة محاولات للحدّ من مشاركة الأطفال في الصراعات القتالية. وهناك قدرٌ كبير من الاتفاق في المجتمع الدولي على عدم شرعية اتخاذ مقاتلين من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس عشرة سنة. وفي هذا الخصوص، صيغت اتفاقيات وقرارات ومواد، منها: المادة 77.2 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف؛ والمادة 38 من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل؛ والفقرة 2/ب/26 من المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية؛ وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1261. على أنّ بعض الدول لديها تشريع يسمح بالملاحقة القانونية لِمَن يجنّد الأطفال أو للجنود الأطفال، مثل قانون الولايات المتحدة الأمريكية عام 2008 بشأن مساءلة الجنود الأطفال.

وإن كان الناس معظمهم لا دراية لهم بهذه المواد والقرارات ولكن عندهم وعي ضمني تشكّل ممّا وضعته بلدانهم من قيود الحد الأدنى من العمر للتجنيد الإلزامي أو الانضمام الطوعي للقوات المسلحة. وعلى الرغم من كل هذه المواد القانونية والقرارات والتشريعات لا يفتأ اتخاذ مقاتلين من الأطفال قضية عالمية من قضايا حقوق الإنسان، حتى في الدول الغربية.

وقد ذكرت مقالة في مجلة Foreign Policy (السياسة الخارجية) أنّه:
“في واقع الأمر تقوم بريطانيا والولايات المتحدة أيضًا بتجنيد مَن هم في عمر 17 سنة، أي لا يزالون أطفالاً من حيث التعريف القانوني، على أساسِ أنه لا يُسمح لهم بالمشاركة في القتال (مع أنّ كلتا الدولتين اعترفت بوضع مَن كانت أعمارهم دون 18 سنة في خطوط النار الأمامية في أفغانستان والعراق). وإنّ أستراليا والنمسا وكندا ولوكسمبورغ وهولندا ونيوزيلندا لديها كلّها سياسات مماثلة”.

قصة يوم الأحد (5/1/2014) ليست حادثة معزولة أبدًا، فقد كشفت مقالات أخرى عن تكرار اتخاذ مقاتلين من الأطفال في صراعات مسلحة ماضية وأخرى جارية شارك فيها أعداد كبيرة من المسلمين، كما جرى في أفغانستان و البلقان و العراق و سورية و اليمن. وهذا التاريخ القريب من اتخاذ الأطفال مقاتلين يتعارض مع فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ويخالف الشريعة الإسلامية.

النظرة الإسلامية

أكثر الناس، بل أكثر المسلمين، لا يدركون أنَّ الإسلام يقرِّر حظر اتخاذ مقاتلين من الأطفال منذ عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، وأنّ هذه الحدود العُمْرية ظلّت منذ ذلك الحين جزءًا من الفقه الإسلامي. ومن الأدلة على القيود الشرعية على العمر ما ورد في الصحيح من أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لم يأذن لأطفال بالمشاركة في الجهاد.

وقد أدرجت أمّهات المتون الفقهية شروطًا يجب توفرها عند المرء حتى تكون المشاركة في الكفاح المسلح واجبةً عليه؛ ومن هذه الشروط أن يكون المرءُ مسلمًا بالغًا عاقلاً ذكرًا صحيحًا قادرًا على القتال. والبلوغ والقدرة هما الشرطان الأهم في صلتهما بمسألة المقاتلين الأطفال.

والأحاديث التي ورد فيها أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ردَّ غلمانًا صغارًا عن الالتحاق بالكفاح المسلَّح تعدّ من الأدلة على كون البلوغ شرطًا في الجواز. وقد بيَّن العلماء أن البلوغ أحد شروط التكليف، فلا يُطالَب بأداء الواجبات الشرعية كالصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج أو الجهاد إلا مسلمٌ بالغ عاقل.

وقد شرح العلماء البلوغ بأنّه يعني بلوغ الحلم وعلامته في العادة عند الذكور خروج المني وعند الإناث الحيض. وهنا قد يفترض أحدٌ أنّه من الممكن ألا تكون الفتاةُ صاحبةُ قصة الاثنين طفلةً وفق الشريعة الإسلامية إذ يُحتمَل أن تكون قد بلغت، مما يجعلها مكلّفة شرعًا ولديها القدرة على أخذ قراراتها. ولئن كان هذا ممكنًا فإنّه يبدو مستبعدًا إذ تشير الدراسات إلى أنّ متوسط عمر الفتيات الذي يبدأ فيه الحيض في أفغانستان هو 13.8 سنة. فطالما لا يوجد دليل على خلاف ذلك فإنّ علينا أن نتمسّك بما نحن متيقنون منه (بأنّها طفلة) ونطرح ما هو إلا ظنّ (أنها دخلت مرحلة البلوغ).

أمّا بالنسبة إلى مسألة الإكراه: فإنّه لا يجوز شرعًا أن يُكرَهَ شخصٌ على فعل شيء لا يحلُّ له القيام به. ولا يجوز أيضًا أن يُكرَه الشخص على القيام بما هو مكلَّف به، ما عدا بضع حالات يمكن فيها للسلطات المسؤولة أن ترغم شخصًا على تنفيذ واجب إلزامي كردِّ مغصوب أو أداء حقوق مستحقة لآخرين. وبما أنّ الجهاد لا يجوز للأطفال أو الصبيان ولا يجب على الإناث، إلا في حالات نادرة، فإنه لا يجوز إكراههم على مشاركتهم فيه.

ويتضح مما تقدّم أنّ قيامَ أطفالٍ مسلمين بدور قتالي، وإن كانوا متطوعين، مخالفٌ للشريعة الإسلامية مخالفةً صريحة. وللأسف الشديد فإنّ تعطّل المرجعية السياسية والدينية التي كان يمسك بزمامها في الماضي أتباعُ المذاهب الفقهية المعتبرة قد ترك فراغًا فقهيًّا صار فيه الاستسهال المفرط للوسائل من أجل الغايات هو المعيار. هذا وإنّه من الضرورة بمكان أن يوضّح علماءُ المسلمين وقادة الدين والفكر والتربية والإرشاد لعامة الناس أنَّ هذه الأفعال تنتهك تعاليم الإسلام، وأنَّه يجب أن يكفَّ الناسُ وينأَون بأنفسهم عن دعم مَن يدعون إلى اتخاذ مقاتلين من الأطفال أو مَن يسهّله ويفسح المجال له.

:المقال الأصلي

AlArabiya News – Islam’s Ban on Child Combatants

ندوة عقلانية الموروث الإسلامي في سياق الفكر المعاصر

 عقدت مؤسسة طابة للدراسات الإسلامية، التي تُعنى بإعادة صياغة الخطاب الإسلامي المعاصر وتقديم الأبحاث والاستشارات وتتخذ من أبوظبي مقراً لها، ندوة فكرية تحمل اسم: ”عقلانية الموروث الإسلامي في سياق الفكر المعاصر“، وذلك بالتزامن مع الاجتماعات نصف السنوية للجنة العلمية للمؤسسة، وقد ألقت الندوة الضوء على البحث الذي أصدرته المؤسسة مؤخراً حول فكر ما بعد الحداثة للدكتور كريم اللحام الباحث في مؤسسة طابة ومحامي الهيكل الداخلي البريطاني.

هذا وقد شهدت الندوة حضور بعض أبرز الشخصيات الإسلامية يتقدمها فضيلة مفتي الديار المصرية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشيخ الدكتور علي جمعة، والداعية المفكر الحبيب علي الجفري رئيس مجلس إدارة مؤسسة طابة، والدكتور عارف نايض السفير الليبي بالدولة ورئيس مؤسسة كلام، وعدد من أساتذة جامعة زايد ونخبة من الأكاديميين والمهتمين.

افتتح الندوة الحبيب علي الجفري مشيراً إلى أن هناك منعطفاً ثقافياً كبيراً تمر به المنطقة، له مقدماته التي قد تعود إلى ثلاثة أو أربعة قرون مضت، إلا أن هذا المنعطف سريع التحول في هذه المرحلة التي نعيشها مع ما يشبه الغيبوبة فيما يتعلق بالتجديد المنبثق عن الموروث العلمي المتصل من خلال تصور صحيح لمتحولات الواقع الإنساني. وأضاف أن بيت الخطاب الإسلامي اليوم يعيش إشكالية القدرة على استمرارية الاتصال بالسند المتصل روايةً ودرايةً وتزكيةً، وبالتدرج العلمي الذي ألِفَته الأمة بمنهجية مؤصلة مع القدرة على استيعاب تحديات الزمان الذي نعيشه في عصرنا.

أدار الندوة الدكتور أسامة السيد الأزهري المشرف على مكتب رسالة الأزهر، وقد ألقى مؤلف البحث الدكتور كريم اللحام الورقة الأساسية في الندوة والتي كان هدفها التطرق لتبعات الأفكار التي يرتكز عليها الحداثيون في فهمهم للتراث الإسلامي، من خلال تناول مواقفهم الفلسفية الضمنية التي نتجت عنها أحكامهم على الموروث الديني، منتقداً ذاك الصياح المتزايد المبالغ فيه من أجل الدعوة إلى الإصلاح في ظل فقر معرفي وفلسفي في أساسيات الإصلاح الفكرية.
وقد تركزت محاور ورقة المؤلف في النظر في مدى دقة استيعاب هؤلاء الحداثيين للأصول الفلسفية، ومدى دقتهم في تطبيقها على الموروث الإسلامي، وانتقد تقوقع الحداثيين أو ما وراء الحداثيين في كهف إيديولوجي غالبه افتراضات تؤثر على المبادئ الأولى والأصول العقلية، مما أدى إلى إفراز عدد من الحواجز العقلية بين المسلم وتراثه الغني بالمناهج البحثية الرصينة، وخطورة هذا تكمن في اختزال الدين على الشعائر والسياسة من خلال وضع الحواجز المعرفية بين الدين والإنسان، ونبه إلى خطر مرحلة التحول الهائل لترتيب العلوم التي دعا إليها الحداثيون والتي أدت إلى غياب عدد من القواعد في ترتيب تلك العلوم وكيفية بناء المفاهيم والفلسفات على القواعد العلمية. وفي ختام ورقته دعا المؤلف إلى إعادة النظر بشكل شامل في العلاقات البينية للعلوم التقليدية وإعادة استخراج ما كان كامناً في عقل المسلم من خريطة معرفية.

قام بالتعقيب على البحث الشيخ سعيد فودة الباحث في علم الكلام حيث أشاد بالبحث العميق في حقيقته وفي مآلاته وفي مقاصده، وفي محاولته نقض الأسس الفكرية والفلسفية والمعرفية التي اعتمدت عليها تلك المدرسة الفكرية كما أشار فودة إلى أن من سمات الفلسفة المعاصرة أنها صارت تتخذ الإنسان بكليته وليس العقل مرجعاً لفهم العالم، وهذه إحدى أهم صفات فكر ما وراء الحداثة، وهو الفكر الذي نعاني منه حتى الآن وهو إنكار مقولة أن العقل موجود في ذاته، تبعاً لفلسفة نيتشه، الذي اعتبر أن العقل هو أحد أسباب تخلف الإنسانية، حيث لم يعترف فكر ما وراء الحداثة بوجود بدهيات عقلية ووصفوا العقل بالصنم الذي يجب أن يهدم على حد تعبيرهم.

عقب ذلك كانت مداخلات الحضور، بدأها فضيلة الدكتور علي جمعة الذي تطرق إلى تعريفات العقل عند المسلمين، وإلى مربع العقل وهو: الدماغ، والحواس السليمة، والواقع المحسوس، والمعلومات السابقة، والذي يوضح موضوع التكليف ومناطه، وأكد على أهمية المعلومات السابقة ومصدريها وهما الوحي والوجود. والوحي عند العلماء المسلمين هو كتاب الله المسطور وهو القرآن الكريم، والوجود هو كتاب الله المنظور وهو الكون. وبهذا تقرر عند المسلمين أن الوحي هو مصدر من مصادر المعرفة، فالمسلم يأخذ من الكتابين معاً مفترضاً عدم تعارضهما، وأن التعارض إذا حصل فهو تعارض مع فهم النص القرآني وليس مع النص نفسه، وهذا ما جعل العلماء يقسمون نصوص القرآن قطعية الورود إلى قطعية الدلالة وظنية الدلالة، ولذلك فليس الوحي فوق العقل وليس مضاداً له أيضاً، بل هو مصدر من مصادر العقل، وكذلك فالوجود هو مصدر من مصادر العقل، وأن الكون إذا تعارض مع فهم النص فيقدم الكون على الفهم الظني للنص. وأضاف أن المسلمين هم الوحيدون الذين تطرقوا إلى العقل الجمعي الذي يعد مركباً أساسياً في تركيب العقل ولا يمكن الاستغناء عنه.

كانت بعد ذلك مداخلة الدكتور عارف نايض الذي تكلم عن التهافت الذي وقع فيه الحداثيون والذي لا يتعدى كونه أشكالاً جديدة من السفسطة، والمغالطات التي تتعلق بالمنحى القرآني أو حصر الاستدلال بالقرآن الكريم وهي ما سمي بمدرسة القرآنيين، وأن الملاحظ في كتاباتهم وكتابات مدرسة ما بعد الحداثة هو تحليل النص باستخدام آليات معينة من مثل التحليل المعنوي أو السيموطيقية أو الهيرمنيوطيقية أو البنوية ووقوعهم في الخطأ من خلال النظر في علاقات المعاني ببعضها البعض دون الرجوع لمقتضيات الحال من مثل مقتضى الحال التاريخي (أسباب النزول) أو مقتضى الحال التراكمي أو ما يسمى بالعقل الجمعي. وإن نزع النص القرآني من سياقه التاريخي ومن وعاء السنة النبوية وهي المفسرة للقرآن والسند المتصل لهذه السنة وهو الذي يجعل المعارف والمفاهيم تتراكم عبر الأجيال بسند متصل يؤدي إلى الوقوع في هذه المغالطات التي وقعوا بها أثناء تفسيرهم للنص القرآني، وأشار في نهاية مداخلته إلى الحاجة الماسة إلى علم الكلام وربط هذا العلم بالفلسفات المعاصرة.

تبعتها مداخلة الدكتور علي الكنيسي، أستاذ الفلسفة والدراسات الإسلامية بجامعة زايد مشيراً إلى أن الفلاسفة المسلمين وعلى رأسهم الكندي أفاضوا في تناول نظرية العقل، وقد فسروا وشرحوا واستنبطوا بل وصححوا ما ورد عن العقل في الفلسفة اليونانية، بعد ما ترجموا كتب هذه الفلسفة إلى العربية، وقد ضرب لذلك مثالاً ما صححه الكندي على أرسطو في كتابه “في ماهية العقل” من أن العقل له وجهان، عقل فعال وعقل منفعل، بينما صحح الكندي التقسيم الذي وضعه أرسطو من خلال استيعابه العميق لجوهر الدين ذاته، فقال إن العقل يكون على أربعة وجوه: العقل الأول وهو الله، والعقل الموجود في الإنسان وهو سبيل الاتصال بالعقل الأول، والعقل المستفاد، والعقل البائن.

وجدير بالذكر أن هذا البحث يأتي ضمن سلسلة ورقات طابة التي يصدرها مركز أبحاث المؤسسة وكان القصد من وراء هذا البحث سبرُ غور البنية المفهومية التي تقوم عليها كتاباتُ أصحاب الفكر ما بعد الحداثي. ويخلص البحث إلى أنّ كلَّ مفكّر وكاتب إنما هو وريث سلسلةِ أفكارٍ أو نظام فكري يظهر جليًا بالضرورة في كتاباته بوعي منه أو بغير وعي، حيث لا وجود لفكرة يتيمة أو فكرة بلا أصل مفهومي. وهذا يعني أنّ صحةَ أيِّة فكرةٍ أو سلامتَها تعتمد اعتمادًا دقيقًا على أرومة سلالتها. وعلى ذلك فإنّ قيمةَ هذا الفكرِ أو أي فكر آخر حتمًا مرتبطةٌ بقيمة منشأ أفكاره، الذي سعى الباحث بإيجاز لتقفي أثره وتقييمه في هذا البحث

يمكن تحميل نسخة البحث الكاملة هنا

مشاركة مؤسسة طابة في معرض توظيف أبوظبي 2013

شاركت مؤسسة طابة للدراسات الإسلامية للمرة الأولى، في معرض توظيف، والذي أقيم في مركز أبوظبي الوطني للمعارض ADNEC خلال الفترة ما بين 29-31 يناير لعام 2013.

وسعت مؤسسة طابة خلال تواجدها في هذا الحدث الذي يشهد مشاركة العديد من المؤسسات ويجتذب شريحة واسعة من الباحثين عن فرص عمل، إلى استقطاب أفضل الكفاءات والمواهب، خاصة المواطنة منها، لملء بعض الوظائف التي تتيحها، ولتساهم بالتالي في تحقيق أهداف إدارة الموارد البشرية للمؤسسة في زيادة نسبة التوطين وصقل المواهب المواطنة في بعض المجالات الواعدة.

وفي ما يتعلق بالمزايا التي تقدمها المؤسسة للمواطنين وعموم الجنسيات الأخرى، فإن مؤسسة طابة قد تعاقدت مع كبرى الشركات العالمية المختصة في الموارد البشرية والتي تقوم بإجراء دراسات سنوية للوقوف على واقع سوق العمل في أبو ظبي واستشراف ودراسة المزايا التي تعطى للموظفين، إلى جانب تحديد معايير وآلية توظيف منهجية وعالمية.

الإسلام الذي بُشِّرَت به المرأة – مقال للشيخ موسى فيربر

مقال للشيخ موسى فيربر، الباحث بمؤسسة طابة، و المنشور في جريدة واشنطن بوست باللغة الإنجليزية و ميدان مصر باللغة العربية

الخبر المرعب والفاجع الذي جاء من الهند مأساوي بحدِّ ذاته بما يكفي: ضحيتا اغتصاب جماعي لقيتا حتفهما، امرأة عمرها 23 عاماً ماتت متأثرة بجراح إثر اغتصابها، وفتاة عمرها 17 عاماً انتحرت بعد أن أجبرَت على الزواج من أحد مغتصبيها.

هاتان القصتان مريعتان بحدّ ذاتهما بما يكفي، ولكنهما للأسف مذكرتان بحالات مشابهة شهدناها عام 2012. من هذه الحالات فتاة مغربية عمرها 16 عاماً انتحرت بعدما حكمت المحكمة أن تتزوج من الذي اغتصبها؛ وحوادث مشابهة في الأردن ذات صلة بفتاتين واحدة عمرها 14 عاماً والأخرى 15 عاماً. وفي هذه الحالات وغيرها تُدان المجتمعات، وأنظمتها القانونية والقضائية، بتأييدها العفو عن المغتصِبِين إذا عقدت معهم صفقة بالزواج من ضحيتهم. ولديهم في المغرب المادة 457 من القانون الجنائي (التي ترجع أصوله إلى القانون الفرنسي ويقال إنه يختص فقط بحالات ممارسة الجنس بالتراضي قبل الزواج)؛ والأردن لديها المادة 308، وتوجد قوانين مشابهة في بلدان أخرى حيث يبدو أن شرف المرأة ينعكس على عائلتها بطريقة منحرفة إذ يَرْجَحُ عار الاغتصاب على حرمة حياة المرأة وكرامتها.

وحينما أقرأ عن مثل هذه الحوادث تتركني دائماً في حيرة إذ كيف يمكن أن يؤيد مسلمون السماحَ لمغتصب أن ينال العفو بالزواج من ضحيته، وغالباً بالضغط على ضحاياهم وعائلاتهم كي يتعاونوا في ذلك. وبصفتي متخصصاً في الفقه الإسلامي أعلم أنّ هذه الحوادث هي عبارة عن انتهاكات فاضحة لتعاليم الإسلام المتعلقة بحقوق الضحايا وتعريف العدل ومعنى الزواج.

إنّ رؤية الإسلام للعالم جلية واضحة فيما يتعلّق بالحقوق والواجبات في الدفاع عن النفس وعن الآخرين من الاعتداءات على الإنسان والكرامة، لا سيما حالة الاعتداء الجنسي حيث يجب على المرأة أن تصدّ المعتدي عليها ويجب على من يشهد الحادث أن يهرع لنجدتها ومساندتها. ومن الواضح أن تحقيق هذا الواجب يعتمد اعتماداً كبيراً على الظروف التي تجد نفسها فيها وحالتها النفسية وقدرتها على صدّ الاعتداء عليها، إلخ.. وبصرف النظر إن كانت قد همّت حتى بالمحاولة بفعل ذلك أم لم تهمّ به، يبقى الفعل اغتصاباً ويجب أن يعامَل على أنّه كذلك. ويرى بعض العلماء لزوم أن يمتد دفاع المرأة عن نفسها إلى التأثيرات التي تعقب الاعتداء، ومن ذلك أن تستعيد إحساسها بالأمن والأمان، وتُعالَج من الأذى النفسي الذي أصابها، وتجهض الحمل الناجم عن الاغتصاب. وحجة من يناصر هذا الرأي أنّه منسجم مع المقاصد النبيلة للشريعة التي تضع منزلة حفظ حياة المرأة وعقلها فوق حفظ النسل والمال والعِرض. والشرع الحنيف واضح أيضاً بشأن الزواج بأنّه علاقة تقوم على المودّة والاحترام المتبادل والألفة والثقة والحنان واللطف، وهي سكن وملاذ يعصم من الشهوة الجسدية الجامحة.

إنّ إرغام ضحية الاغتصاب على الزواج من مغتصبها (مزعوماً كان أو مداناً) يحرمها من فرصة الدفاع عن نفسها ويعرضها إلى مزيد من الاعتداءات على نفسها وعقلها وعِرضها؛ وفي ذلك أيضاً إكراهٌ لها على العيش في علاقة قائمة على الكراهية والعزلة والعنف والظلم والأذى، وفيه مكافأة لمن اعتدى عليها على اعتدائه.

إنّ التواصي بالمرحمة والحث على الرحمة متأصّل في الإسلام، والعفوُ عن المغتصب الذي يوافق على الزواج من ضحيته وإكراه الضحية على ذلك مناقضٌ للرحمة.

وقد سبق أن رأينا كيف أنّ إرغام الضحايا على الزواج بمن اغتصبهن يحمل إمكانية أن يؤدي إلى الانتحار، وإجبار الضحايا على الزواج بهذه الطريقة يضع عِرض العائلة وكرامتها فوق حياة الضحية وعقلها وعِرضها وكرامتها، وهو مخالف لترتيب الأولويات الذي حدده الشرع الحنيف. فكيف لأحد أن يوفِّق بين هذا القلب لترتيب الأولويات ونظرة الإسلام للعالم التي ترى أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا (المائدة: 32).

ويفعل ذلك بعض المؤيدين له على أساس أن المسألة عرفية وتقع ضمن مرونة الإسلام مع الأعراف والعادات المحلية، وأنّ العرف المحلي يرتّب عاراً كبيراً على الاغتصاب (مزعوماً كان أو ثابتاً)، وأن أفضل وضع للضحية أن تتزوج بمغتصبها (مزعوماً كان أو مُداناً). ولئن كان صحيحاً أنّ الشريعة الإسلامية تضمّنت قَدْراً من المرونة بخصوص العرف والعادة، فإنّ هذه المرونة مقيّدة بما لا يتناقض مع الشريعة الغرّاء أو يخلّ بمقاصدها؛ فباختصار، تقرّ الشريعة الممارسات المتوافقة معها وترفض الممارسات التي تناقضها أو تخلّ بميزانها.

ويشير مؤيدون آخرون إلى أنّ القوانين تختصّ بتطبيقها فقط على حالات الممارسة الجنسية بالتراضي، مثل أن يقوم شاب وفتاة بذلك على أمل إجبار عائلاتهما بالسماح لهما بالزواج، وأنّه حين يبلَّغ عن الحالة يدوَّن الفعل بأنّه واقعة اغتصاب. ومن شأن استخدام هذه العبارة، لحماية المجتمع إلى حدّ ما من العارِ المترتب على الاعتراف بأن المرأة متورطة برضاها بعلاقة جنسية قبل الزواج، أن يفتح باباً مهلكاً لإرغام النساء اللائي انتُهِك عرضهن على ظُلم أكبر وفي بعض الأحيان يفضي بهنّ إلى أن يزهقن أرواحهن بأيديهنّ من جرّاء العذاب النفسي واليأس.

وهناك خطأ ما إلى حدّ كبير عندما ينظر مجتمعٌ إسلامي إلى العارِ المترتب على اغتصاب واحد بأنّه يرجح على تيسير انتشار الفساد وإزهاق الأرواح بغير حقّ.

وقد كان مبعثَ فخرٍ للرعيل الأول من المسلمين أن أذعنوا للأمر الإلهي في القرآن بترك وأدِ البنات وهو فعل كانت تعمد إليه بعض العوائل خشية أن يلحقهم العار. ومن ثمّ افتخر المسلمون على مدى قرون من الزمان بمساهمتهم في رفع مستوى مكانة المرأة. ولكن أيُّ فخر هذا في ترك وأد البنات الصغار في التراب فقط ليكبرن إلى مرحلة البلوغ فيتمنين أن لو كنَّ قد وئدن صغاراً؟
إنّ هذه القصص المتكررة على نحو مأساوي لنساء يُعتدى عليهن مراراً وتكراراً لا يمكن أن توصف إلا أنّها تنكُّبٌ وانحرافٌ عن جادة الإسلام، ويا للأسف، بفعل المسلمين أنفسهم.

الشيخ موسى فيربر زميل باحث في مؤسسة طابة، وهو مجاز في الفتوى من كبار علماء دار الإفتاء المصرية بمن فيهم مفتي الديار المصرية. تابعوه على تويتر:musafurber@.

إطلاق بحث: التقليل من دور التحيزات في الفتوى

أطلقت مؤسسة طابة للدراسات الإسلامية، أحدث إصدارتها البحثية بعنوان: ”التقليل من دور التحيزات في الفتوى“، والذي يلقي الضوء على ما يعتري عملية الإفتاء من أخطاء تنجم من استخدام مساعدات موجهة ويطرح في الوقت ذاته حلولاً للحد من هذه الأخطاء وتحسين دقة الفتوى. وقد صدر البحث باللغتين العربية والإنجليزية

وخلال الأمسية التي نظمتها مؤسسة طابة بمناسبة إطلاق هذا البحث والتي شهدت حضور بعض أبرز الشخصيات الإسلامية يتقدمها فضيلة مفتي الديار المصرية الشيخ الدكتور علي جمعة والدكتور حمدان المزروعي رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف والدكتور أحمد عبد العزيز الحداد كبير المفتين ومدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي والحبيب علي الجفري رئيس مجلس إدارة مؤسسة طابة وعدد من المفتين والأكاديميين، ألقى الشيخ موسى فربر _الباحث بمؤسسة طابة_ الضوء على نتائج بعض الدراسات الحديثة التي استعرضت جملة من الأخطاء التي يقع فيها الناس لدى التعامل مع القضايا التي يحتاجون فيها إلى فتوى، وأثر هذه الأخطاء على الحكم الذي يطلقه العلماء على قضايا الواقع والأمور المستجدة، حيث تم تحليل هذه الأخطاء من خلال هذا البحث

واستعرض الباحث خلال الأمسية مفهوم الفتوى وأهمية الجانب النفسي للمفتي حال إصدار الفتوى، والتي صنفها إلى أربع مراحل: التصوير (التي يصور فيها المستفتي مشكلته للمفتي والذي يستفهم بدوره عن تفاصيل إضافية)، والتكييف (التي يلائم فيها المفتي سمات حالة المستفتي مع ما يناسبها من أبواب الفقه)، والحكم (وفيها يدقق المفتي في مدى استيفاء الشروط والأركان للمسألة) وأخيراً مرحلة الإفتاء (التي يعيد فيها المفتي النظر في ظروف المستفتي لضمان تحقيق الحكم مصالح المستفتي دون الاخلال بمقاصد الشريعة)

وتحدث الباحث بعدها عن عدد من الموجهات التي تؤثر في نفسية المفتي وتنعكس على فتواه والتي صنفها إلى عشرة: أثر الرسو (التركيز على حالة ماضية أو معلومة منفردة)، وأثر التوافر (تقدير رجحان الأحداث اعتماداً على سهولة استدعائها من الذاكرة)، وتحيز الإثبات (البحث عن المعلومات أو تفسيرها بطريقة تؤكد تصورات المرء المسبقة)، وخطأ العزو الأساسي (وهو الإفراط في توكيد دور سمات الشخصية حيال تفسير سلوك الشخص نفسه) وأثر الهالة (السماح بتأثير صفة إيجابية في مجال أو جانب واحد لشخص ما على تقييم ايجابي لصفاته الأخرى)، وأثر نقيض الهالة (وهو السماح بأن تؤثر صفة سلبية في مجال أو جانب واحد لشخص ما على تقييم سلبي لصفاته الأخرى)، وأثر الثقة المفرطة (مبالغة الشخص في ثقته بقدرته ودقته حيال الإجابة عن الأسئلة)، وأثر الأولية والحداثة (الميل إلى أن تكون المواضيع القريبة من نهاية قائمة ما هي الأسهل في التذكر)، وتحيز الحداثة (تذكر الأحداث الأخيرة أكثر من الأحداث الماضية)، وتحيز خدمة الذات (ميل المرء إلى نسبة الفضل لنفسه وتنصله من المسؤولية عن الإخفاقات). وشرح الباحث بإيجاز تأثير هذه الموجهات في مرحلتي: التصوير والتكييف على التحيز في الفتوى.

عقب ذلك كانت مداخلات الحضور، بدأها فضيلة الدكتور علي جمعة حول اختيار مصطلح التحيز في عنوان البحث كمقابل للمصطلح الإنجليزي (Bias) وأشار إلى أن هذه الكلمة هي الأقرب للواقع والأكثر ملاءمةً في الأدبيات الحديثة وما استقر في أذهان الناس في الوقت الحاضر منوهاً إلى أن التحيز موجود ٌ في كل العلوم تقريباً كالهندسة والطب والفلك وغيرها حيث لا يستطيع الناظر في هذه العلوم أن يعزل نفسه عما يصدره من أحكام، وأضاف أن على المفتي أن يراعي مثلث الفتوى: التصوير والتكييف والحكم، فعليه أن يتأكد أن يكون التصوير الذي يقدمه المستفتي مطابقاً لواقع الحالة، ثم أن يكون دقيقاً في سماعه للحالة إذ قد يقع الخطأ في التكييف بحيث يتحيز السامع إلى ما يريد سماعه وأخيراً أن يكون دقيقاً في استخدام الحكم المنصوص بحيث يكون مطابقاً للحالة المستفتي عنها

وتطرقت مداخلة الدكتور حمدان المزروعي إلى أهمية إدراك وتصور الواقع لدى المفتي وانعكاس ذلك على الحكم الشرعي من حل وحرمة على الفرد والمجتمع. وتمحورت مداخلة الدكتور أحمد الحداد حول أهمية موضوع البحث وارتكازه على مفهومين أصيلين: فقه النفس وفقه الواقع، حيث أكد على أهمية تحلي المفتي بصفة الفتوى وهي الخشية من الله سبحانه وتعالى أولاً، وكذلك أهمية مراعاة النظر في الرخصة الشرعية الصحيحة للمستفتي.

ومن جانبه، أكد الحبيب علي الجفري أن هذا البحث هو لفت نظر إلى باب من الأبواب المهمة، مشدداً على أن المشكلة الحقيقية تتمثل في وجود بون شاسع بين الواقع سريع التغير وشديد التنوع وبين ما أتقنه العلماء والفقهاء من الأحكام الشرعية التي تنطبق على الواقع المصاحب لها في حينها. ولفت الجفري بأن ذلك يزيد من أهمية وجود مفتين على دراية عالية بواقعنا اليوم، بالتالي تعزيز المصداقية والثقة بمتصدري الفتوى والخطاب الإسلامي

وجدير بالذكر أن بحث: «التقليل من دور التحيزات في الفتوى» أوصى بإجراء دراسة مستقلة لتأثير الموجهات في ممارسة العلوم الشرعية؛ وبأن تضطلع مؤسسات الفتوى بتوعية مفتيها بتأثير التحيزات، وبأن تجعل ذلك جزءاً من برامج تدريب المفتين، لما في ذلك من تحسين مستوى أداء المفتين، وضمان إصدار فتاوى أكثر دقة ومراعاة جوانب حياتهم المختلفة.