في الوقت الذي تشتد فيه فتن كثيرة تعصف بالأمّة وفي ظل محاولات اختطاف لقب “أهل السنة والجماعة” من قبل طوائف من خوارج العصر والمارقين والعابثين بالشريعة المطهّرة الذين تُسْتَغل ممارساتهم الخاطئة لتشويه صورة الدين الإسلامي، تشرّفت مؤسسة طابة بتعاونها في التنسيق مع رعاة المؤتمر، صندوق الحاج أحمد قديروف الخيري ومؤسسة دعم الثقافة الإسلامية والعلم والتعليم ، بتنظيم انعقاد المؤتمر العالمي لعلماء المسلمين تحت عنوان: “من هم أهل السنة والجماعة؟ بيان وتوصيف لمنهج أهل السنة والجماعة اعتقادًا وفقهًا وسلوكًا، وأثر الانحراف عنه على الواقع”، (21-23 ذو القعدة 1437، 25-27/8/2016 في العاصمة الشيشانية غروزني)، بحضور فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، وجمع من المفتين، وأكثر من مئتي عالم من علماء المسلمين من أنحاء العالم، تحت رعاية كريمة من فخامة الرئيس الشيشاني رمضان أحمد قديروف حفظه الله.
وقد خَلُص المؤتمر إلى الآتي:
- أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد، “ومنهم أهل الحديث المفوضة” في الاعتقاد، وأهل المذاهب الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علماً وأخلاقاً وتزكيةً على طريقة سيد الطائفة الإمام الجنيد ومن سار على نهجه من أئمة الهدى، وهو المنهج الذي يحترم دوائر العلوم الخادمة للوحي، ويكشف بحق عن معالم هذا الدين ومقاصده في حفظ الأنفس والعقول، وحفظ الدين من تحريفه والعبث به، وحفظ الأموال والأعراض، وحفظ منظومة الأخلاق الرفيعة.
- للقرآن الكريم حرم يحيط به من العلوم الخادمة له، المساعدة على استنباط معانيه، وإدراك مقاصده وغاياته الموصلة إلى الله، واستخراج العلوم المودعة فيه، وتحويل آياته إلى حياة وحضارة، وآداب وفنون وأخلاق ورحمة وراحة، وإيمان وعمران، وإشاعة السلم والأمان في العالم، بما يتجلّى للشعوب والثقافات والحضارات المختلفة عيانًا أنّ هذا الدين رحمة للعالمين، وسعادة في الدنيا والآخرة.
- منهج أهل السنة والجماعة هو أجمعُ وأدق مناهج أهل الإسلام وأتقنها، وأشدها إحكامًا، وأكثرها عناية بانتقاء الكتب العلمية ومنهجيات التدريس التي تعبر تعبيرًا صحيحًا عن طريقة العقل المسلم في إدراك الشرع الشريف، وإدراك الواقع بكل تعقيده، وحسن الربط بينهما.
- قامت تلك المدارس العلمية المعبرة عن أهل السنة والجماعة عبر قرون كثيرة بتخريج مئات الألوف من العلماء والخريجين، الذين انتشروا في آفاق الدنيا من سيبيريا إلى نيجيريا، ومن طنجة إلى جاكرتا، وتولوا الرتب والمناصب المختلفة، مع الإفتاء والقضاء والتدريس والخطابة، فاستفاض بهم الأمان في المجتمعات، وأطفؤوا نيران الفتن والحروب، واستقرت بهم الأوطان، وانتشر بهم العلم والوعي الصحيح.
- ظل أهل السنة والجماعة عبر التاريخ يرصدون كل فكر منحرف، ويرصدون مقالات الفرق ومفاهيمها، ويقيمون لها موازين العلم والنقد والتفنيد، ويظهرون الإقدام والحزم في مواجهة مظاهر الانحراف، ويستخدمون أدوات العلوم الرصينة في التمحيص والتصويب، فكلما نشط منهجهم العلمي انحسرت أمواج التطرف، واستقام الأمر للأمة المحمدية لتتفرغ وتنصرف لصناعة الحضارة، فوجد العباقرة من علماء الإسلام، الذين أسهموا في الجبر والمقابلة والحساب والمعادلات المثلثية، وعلوم الهندسة التحليلية، والكسور الاعتيادية واللوغاريتمات، والوزن النوعي، وطب وجراحة العيون، والطب النفسي، وعلوم الأورام، والأوبئة، والأجنة والعقاقير، وموسوعات الصيدلة، وعلوم الحيوان والنبات، والجاذبية الأرضية، وعلوم النجوم والبيئة، وعلوم الصوتيات والبصريات، وغير ذلك من العلوم، وتلك ثمرات منهج أهل السنة والجماعة التي لا تنكر.
- تكرر عبر التاريخ هبوب أمواج من الفكر المضطرب والمنحرف، الذي يدعي الانتساب إلى الوحي الشريف، ويتمرد على المنهج العلمي الصحيح ويروم تدميره، ويزعزع أمن الناس واستقرارهم، وكانت أولى تلك الموجات الضالة الضارة، الخوارج قديمًا، وصولًا إلى خوارج العصر الحديث من أدعياء السلفية التكفيرية، وداعش ومن سار على نهجهم من التيارات المتطرفة والتنظيمات المسيَّسة التي يعدّ القاسم المشترك بينها هو التحريف الغالي والانتحال المبطل، والتأويل الجاهل للدين، مما ولَّدَ عشرات من المفاهيم المضطربة المغلوطة، والتأويلات الباطلة التي تناسل منها التكفير والتدمير، وإراقة الدماء والتخريب، وتشويه اسم الإسلام، والتسبب في محاربته والعدوان عليه، وهو ما استوجب انبراء العدول من حملة هذا الدين الحنيف لتبرئته من كل ذلك مصداقًا لقوله ﷺ في الحديث الصحيح: “يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين”.
- يأتي هذا المؤتمر ليكون بإذن الله نقطة تحول مباركة لتصويب الانحراف الحاد والخطير الذي طال مفهوم “أهل السنة والجماعة” إثر محاولات اختطاف المتطرفين لهذا اللقب الشريف وقصرِه على أنفسهم، وإخراج أهله منه، وذلك بتفعيل المنهج العلمي الرصين الأصيل الذي تبنته مدارسنا الكبرى التي تمثل صِمَام الأمان في تفكيك أطروحات التكفير والتطرف، وبإرسال رسائل الأمان والرحمة والسلام للعالمين، حتى ترجع بإذن الله بلداننا كلها منابر للنور، ومنابع للهداية.
وقد خلص المؤتمر أيضًا إلى عدة توصيات:
1. اعتماد كلمة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وثيقة أساسية للمؤتمر.
2. عودة مدارس العلم الكبرى للوعي بذاتها وتاريخها ومناهج تدريسها الأصيلة والعريقة، والرجوع إلى تدريس دوائر العلم المتكاملة، التي تصنع العلماء القادرين على الهداية، وعلى تفنيد مظاهر الانحراف الفكري، وعلى إشاعة العلم والأمان، وحفظ الأوطان.
3. رفع مستوى الاهتمام والعناية بتدريس كافة العلوم الإسلامية، وخاصة علمي أصول الفقه والكلام لضبط النظر وتصحيح الفكر وتفنيد مقولات التكفير والإلحاد.
4. ضرورة رفع مستوى التعاون بين المؤسسات العلمية العريقة كالأزهر الشريف، والقرويين والزيتونة وغيرها، ومراكز العلم والبحث فيما بينها ومع المؤسسات الدينية والعلمية في روسيا الاتحادي.
5. ضرورة افتتاح “منصات تعليمية” للتعليم عن بُعد لإشاعة العلم الآمن، حيثُ إنها تخدم الراغبين في العلم والمعرفة ممن يمنعهم عملهم من الانتظام في التعليم النظامي.
6. إنشاء قناة على مستوى روسيا توصل صورة الإسلام للمواطنين وتحارب التطرّف والإرهاب.
7. العناية والاهتمام الضروريان بقنوات التواصل الاجتماعي، وتخصيص ما يلزم من الطاقات والخبرات للحضور في تلك الوسائط حضورًا قويًا فاعلًا.
8. إنشاء مركز علمي بجمهورية الشيشان العتيدة لرصد ودراسة الفرق المعاصرة ومفاهيمها، وتشكيل قاعدة بيانات موثقة تساعد على التفنيد والنقد العلمي للفكر المتطرف ومقولاته، ويقترح المؤتمرون أن يحمل هذا المركز اسم “تبصير”.
9. توجيه النصح للحكومات بضرورة دعم المؤسسات الدينية والمحاضن القائمة على المنهج الوسطي المعتدل، والتحذير من خطر ما تقوم به بعض الحكومات من اللعب على سياسة الموازنات وضرب الخطاب الديني ببعضه، وأنه لا ينتج إلا مزيدًا من القلق في المجتمع، وتفتيتًا لصفه.
10. يوصي المؤتمر الحكومات بتشريع قوانين تُجرِّم نشرَ الكراهية والتحريض على الفتنة والاحتراب الداخلي والتعدي على المؤسسات.
11. يوصي المشاركون مؤسسات أهل السنة الكبرى، الأزهر ونحوه، بتقديم المنح الدراسية للراغبين في دراسة العلوم الشرعية من المسلمين في روسيا.
12. يوصي المشاركون أن ينعقد هذا المؤتمر الهام بشكل دوري، لخدمة هذه الأهداف الجليلة، ومواكبة ما يستجد من تحديات ومواجهتها.
13. تكوين لجنة لمتابعة تنفيذ النتائج والتوصيات التي تضمنها هذا البيان.